بقلم: ألي سوتون
كيف تنمي مدى الانتباه والتركيز لدى الطفل من خلال اللعب
هل سبق وأن راقبت طفلك وهو ينتقل من شيء إلى آخر بسرعة، وتساءلت: كيف سيتعلّم يوماً ما أن يستقرّ ويركّز؟
عندما ينخرط الأطفال في أنماط من اللعب تُشجّع على الاستكشاف والإبداع وحلّ المشكلات، فإنهم في الواقع يُفعّلون نفس المسارات العصبية التي تدعم الانتباه والذاكرة العاملة وضبط النفس.
هذا النوع من اللعب يُساعدهم على تعلّم التركيز، وتجاهل المشتّتات، والبقاء مندمجين في الأنشطة التي تُثير فضولهم بحق.
اللعب الهادف والمناسب للعمر هو أحد أقوى الأدوات التي يمكنك استخدامها لمساعدة طفلك على تقوية قدرته على التركيز.
ومع نموهم في عالم رقمي مليء بالمحفّزات والمشتّتات، أصبح من الضروري، وبلا شك، أن نُساعد أطفالنا على تعلّم مهارة التركيز.
الرضّع (من ٠ إلى ١٢ شهراً)

خلال السنة الأولى من عمر الطفل، تبدأ مهارات الانتباه في الظهور تدريجياً.
في الأشهر الأولى (من ٠ إلى ١٢ شهراً)، يستطيع المواليد الجدد التركيز لبضع ثوانٍ فقط على وجه مقدم الرعاية أو لعبة ذات تباين لوني قوي. ولكن مع النمو، وتحديداً بحلول الشهر السادس تقريباً، يتمكّن كثير من الرضّع من التحديق في الخشخيشة أو البطاقة البسيطة ذات نقوش واضحة لمدة تصل إلى دقيقة كاملة.
وفي الفترة ما بين الشهر السابع والثاني عشر، يُلاحظ أن الرضيع قادر على تثبيت نظره على غرض واحد لمدة دقيقة تقريباً، أو أكثر قليلاً.
ما يجعل اللعب في هذه المرحلة فعّالاً للغاية هو ما يُعرف بالانتباه المشترك:
وعندما تجلس وجهاً لوجه مع طفلك، وتحمل الخشخيشة الناعمة أو البطاقة بصور بالأبيض والأسود، وتصدر أصواتاً لطيفة أو تعبيرات وجه مرحة، فإنك بذلك تجذب انتباهه وتُبقيه معك.
وتُظهر الأبحاث أن الرُضّع عندما يتشاركون لعبة واحدة مع مقدم الرعاية في بيئة هادئة، فإنهم يُطيلون فترة تركيزهم على اللعب، وينسّقون نظراتهم مع إشارات الكبار.
أما في حال وجود صوت تلفاز أو راديو في الخلفية، فإن مدة اللعب المركّز لدى الرضيع تنخفض بشكل ملحوظ.
لهذا، يُنصح بتوفير ركن هادئ يحتوي على لعبة واحدة فقط في كل مرة، لمساعدة الرضيع على التدرّب على الانتباه المستمر.
ما بين الشهر التاسع والثاني عشر، يصبح تقديم أدوات بسيطة، مثل أكواب التكديس أو صندوق الإسقاط، ذا قيمة كبيرة.
اجلس بجانب طفلك، وابدأ بتوضيح الخطوات مع الحديث بصوت موجه: "هذا الكوب الصغير.. لنضعه فوق الكبير!" ثم دع طفلك يكتشف بنفسه.
هذه اللحظات التفاعلية المشتركة خلال أوقات اليقظة تُشكّل الأساس العصبي لتطوّر مدى الانتباه مع تقدُّم الطفل في العمر.
الأطفال الصغار (من ١ إلى ٣ سنوات)
يُعرف الأطفال في هذه المرحلة بفضولهم الكبير، لكن ذلك غالباً ما يعني تنقّلهم السريع من نشاط إلى آخر!
غير أن تجارب اللعب المنظمة بشكل مناسب يمكن أن تُسهم تدريجياً في إطالة مدة تركيزهم.
ابدأ بتقليل عدد الألعاب المقدّمة لطفلك.
ففي دراسة أُجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٣٠ شهراً، وُجد أن الأطفال الذين حصلوا على أربع ألعاب فقط، أمضوا وقتاً أطول في اللعب بكل لعبة، واستكشفوا بعمق أكبر، وواجهوا عدداً أقل من المشتّتات، مقارنةً بأطفال أُحيطوا بست عشرة لعبة.
بمعنى آخر، القليل قد يكون فعلاً أكثر فائدة، فالكثرة تُشتّت التركيز! #سر_تربوي
ومع تطوّر المهارات الحركية الدقيقة لديهم، يُصبح تمرير خرزات خشبية كبيرة (أو قطع مكرونة) في خيط سميك تحدّياً ممتعاً: فكل خرزة تتطلّب تنسيقاً بين العين واليد، وإصراراً لإدخالها في الفتحة.
كما تُعد أنشطة المطابقة أو الذاكرة، باستخدام أربع إلى ست بطاقات فقط، خياراً رائعاً، سواء احتوت على صور حيوانات أو أشكال أو أطعمة مألوفة.
تُشجّع هذه الأنشطة الطفل على الاستماع، والتذكّر، والتركيز في كل دورة لعب.
وتُعلّمه أن الجلوس لتحقيق هدف واحد قد يكون ممتعًا ومجزياً في الوقت ذاته.
وبما أن الأطفال في هذه المرحلة مليئون بالطاقة، فمن المهم تضمين فترات نشاط بدني قصيرة.
فبعد بضع دقائق من اللعب الجالس، يمكنك إعداد مسار حركي بسيط: الزحف عبر نفق من الورق المقوى، تسلّق وسائد الأريكة، ثم العودة إلى لعبة تركيب هادئة أو نشاط تمرير الخرز.
هذا النوع من "إعادة التشغيل الحركي" يُعيد تنشيط العقل والجسم.
وتُؤكّد الأبحاث أن هذه الاستراحات الحركية تُعزز بالفعل قدرة الطفل على إعادة التركيز في النشاط التالي.
أطفال الروضة (مرحلة ما قبل المدرسة) (من ٣ إلى ٥ سنوات)
اللعب التخيلي في هذه المرحلة ليس مجرد متعة، بل يعد أرضاً تدريبيةً حاسمة للتركيز وضبط النفس.
فعندما يحول طفل في الرابعة صندوقاً كرتونياً إلى سفينة فضائية، أو يعتني بحيوانات ألعاب داخل عيادة بيطرية وهمية، فإنه يستخدم ذاكرته العاملة، ويغير وجهة نظره بين نفسه وبين "شخصيته" التخيّلية، ويُقاوم الدوافع الواقعية ليبقى "داخل الدور".
وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين يُشاركون بانتظام في اللعب التخيلي الاجتماعي يحرزون تقدماً ملحوظاً في المهارات العقلية نفسها التي يحتاجونها للتركيز والتخطيط وضبط الانفعالات.
كما يسهم اللعب المنظم والألعاب ذات القواعد البسيطة في تعزيز الانتباه المتنامي.
فلعبة بسيطة مثل "قال سيمون"، أو ألعاب بطاقات المطابقة، أو تحديات البناء بالمكعبات، تتطلب من الطفل أن يصغي بعناية، ويتذكر التعليمات، ويركز حتى يُنجز الهدف.
حدّد هدفاً لطفلك، ولاحِظ مدى اجتهاده لتحقيقه!
واللعب البدني له أهمية كبيرة أيضاً!
فبعد جلسة لعب جلوسي تدوم من عشر إلى اثنتي عشرة دقيقة، مثل تركيب أحجية بسيطة من خمس إلى سبع قطع، خصص استراحة ذهنية قصيرة من خلال لعبة نشيطة مثل: "إذا كنت سعيداً وصفق بيديك!" مع إضافة التصفيق أو الدوس أو حركات مضحكة.
وقد بيّنت الدراسات أن الأطفال يعودون إلى أنشطة الجلوس بتركيز أفضل بعد هذه الفواصل الحركية النشطة.
ويمكن أن تُمثّل أنشطة البحث في الهواء الطلق وسيلة تجمع بين الحركة والانتباه:
اطلب من طفلك أن يبحث عن حصاة ملساء أو ورقة شجر حمراء أو غصن دائري الشكل.
ومع كل غرض يشطبه من القائمة، فإنه يدرب نفسه على البحث الهادف، والمحافظة على التركيز في بيئة طبيعية.
نصائحنا لك لضمان نجاحك في زيادة تركيز طفلك
- قسم المهام إلى خطوات صغيرة: بسط التعليمات. بدلاً من قول: "أنهِ هذه الأحجية"، قل: "هيا نبحث أولاً عن القطع التي على الحواف."
- امتدح الجهد والمثابرة: حتى دقائق قليلة من التركيز تستحق التقدير: "لقد أمضيتَ خمس دقائق في تمرير الخرز، رائع، وأحسنت صنعاً!
- أنشئ "ركن تركيز" هادئ: أطفئ التلفاز أو الموسيقى، وأبعد الألعاب الزائدة، واختر زاوية هادئة للعب. كلما قلّت المشتّتات الحسية، زادت قدرة الأطفال، في جميع الأعمار، على التركيز.
- اتبع قيادة طفلك: إذا انشغل طفلك تماماً في تكديس المكعبات أو ترتيب السيارات، اقترب منه بهدوء. راقبه، وإذا نظر إليك، اسأله: "بماذا تفكر؟" هذا النوع من الانتباه المشترك يُطيل بطبيعته فترة اندماج الطفل في النشاط.
- اسمح بفترات راحة حركية: ساعد طفلك على تنظيم طاقته من خلال إتاحة وقت بين الأنشطة الجالسة ليقوم بحركات جسدية كبيرة تُفرّغ طاقته.
- احترم وقت "أحلام اليقظة": تُتيح هذه اللحظات الهادئة وغير المُركّزة بين الأنشطة للدماغ معالجة المعلومات وإعادة ضبطها. وازن بين المهام التي تتطلب تركيزاً عالياً وفترات راحة للعب الحر.
خلاصة القول
بناء الانتباه والتركيز هو عملية تتعلق بصياغة تجارب لعب ممتعة توسع نطاق تركيز طفلك بلطف.
دقيقة واحدة يشارك فيها الرضيع نظره معك نحو لعبة بسيطة، خمس دقائق يقضيها الطفل الصغير في تمرير الخرز، وخمس عشرة دقيقة يقضيها طفل الروضة في مقهى تخيّلي، جميع هذه اللحظات تُسهم في تقوية "عضلات التركيز" لديه.
ومع مرور الوقت، ستلاحظ تطوراً من خلال خطوات صغيرة يومية:
قلة التشتت أثناء الأنشطة، سهولة الانتقال بين المهام، ولحظات ينغمس فيها طفلك تماماً دون انقطاع.
احتضِن فضول طفلك الطبيعي، وقدم له تحديات "مناسبة تماماً" لقدراته، ولا تنسَ تضمين فترات نشاط حركي لمساعدته في تنظيم طاقته.
وقبل أن تدرك ذلك، سيتحوّل طفلك من نوبات التشتّت إلى لحظات لعب مركّز، مُكتسباً مهارات تركيز ستخدمه طوال مشواره الدراسي والحياتي.
Koşkulu, N., Kurt, M., & Yalçın, S. (2021). Joint attention in infants: Effects of toy set size on attention duration.
Infant Behavior & Development, 64, 101550.
Wells, N. M., & Evans, G. W. (2013). Nearby nature as a buffer of life stress among rural children.
Environment and Behavior, 45(1), 3–25.
Dauch, K., Sassower, K., & Rose, T. (2018). Toy number and toddler attention: How fewer toys promote sustained play.
Infant Behavior & Development, 50, 300–307.
Whitebread, D., & Basilio, M. (2012). Play, cognition, and self‐regulation: What exactly are children learning when they learn through play?
European Early Childhood Education Research Journal, 20(5), 647–654.
White, R. E., Lillard, A. S., & Karasik, L. B. (2021). Pretend play promotes executive function in preschoolers: A longitudinal analysis.
Child Development Research, 2021, Article 5557682.